فتنة النساء الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد: فإن من الفتن العظيمة التي يواجهها المسلم في هذه
الحياة: فتنة النساء، وهذه الفتنة تواجهه في السوق وفي الطرقات وفي الأماكن العامة، وفي
الجرائد والمجلات وفي وسائل الإعلام، قال تعالى:
﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ﴾ ]آل عمران:
14].
وقد حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته
من
فتنة النساء، روى البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما تركت بعدي فتنة، أضر على الرجال من
النساء))
[1].
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أول
فتنة بني إسرائيل كانت في النساء، فروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري -
رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنّ الدنيا حلوة
خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؟ فاتقوا الدنيا واتقوا
النساء، فإن أول
فتنة بني
إسرائيل كانت في النساء))
[2].
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن
الصابر على هذه الفتنة، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله، روى البخاري
ومسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله))، وذكر منهم: ((رجل
طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله))
[3]،
قال القاضي عياض: "وخصَّ ذات المنصب والجمال؛ لكثرة الرغبة فيها وعسر
حصولها، وهي جامعة للمنصب والجمال، لا سيما وهي داعية إلى نفسها طالبة
لذلك، قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف الله
تعالى – وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال- من أكمل المراتب وأعظم
الطاعات، فرتَّب الله عليه أن يظله الله في ظله، وذات المنصب: هي ذات
الحسب والنسب الشريف"
[4]. قال تعالى- في هذا
وأمثاله -:
﴿وَأَمَّا
مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوَى﴾ [النازعات:
40- 41].
وقدوة هذا الصابر على فتنة[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
النساء: نبي الله الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن
إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، قال تعالى:
﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ
وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ
إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [يوسف:
23]، بل إن يوسف عليه السلام آثر السجن على أن
ينقاد لهذه الفتنة، قال تعالى:
﴿قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي
إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ [يوسف:
33].
قال ابن القيم: "وقد ذكر الله سبحانه وتعالى
عن يوسف الصديق - صلى الله عليه وسلم - من العفاف أعظم ما يكون، فإن
الداعي الذي اجتمع في حقه لم يجتمع في حق غيره، فإنه - صلى الله عليه وسلم -
كان شاباً، والشباب مركب الشهوة، وكان عزباً ليس عنده ما يعوضه، وكان
غريباً عن أهله ووطنه، والمقيم بين أهله وأصحابه يستحي منهم أن يعلموا به
فيسقط من عيونهم، فإذا تغرب زال هذا المانع، وكان في صورة المملوك، والعبد
لا يأنف مما يأنف منه الحر، وكانت المرأة ذات منصب وجمال، والداعي مع ذلك
أقوى من داعي من ليس كذلك، وكانت هي المطالبة فيزول بذلك كفلة تعرض الرجل
وطلبه وخوفه من عدم الإجابة، وزادت مع الطلب الرغبة التامة والمراودة التي
يزول معها ظن الامتحان والاختبار لتعلم عفافه من فجوره، وكانت في محل
سلطانها وبيتها بحيث تعرف وقت الإمكان ومكانه الذي لا تناله العيون، وزادت
مع ذلك تغليق الأبواب؛ لتأمن هجوم الداخل على بغتة، وأتته بالرغبة والرهبة،
ومع هذا كله عفَّ لله ولم يطعها، وقدَّم حق الله وحق سيّدها على ذلك كله،
وهذا أمر لو ابتلى به سواه لم يعلم كيف تكون حاله؟"
[5].
قال الشاعر:
وإني
لتنهاني خلائق أربع [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
عن الفحش فيها للكريم روادع [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
حياء وإسلام وشيب وعفة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وما المرء إلا ما حبته الطبائع [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
والصبر على هذه الفتنة وإيثار رضا الله على هوى
النفس من أفضل الأعمال التي تقرب العبد إلى ربه، قال تعالى:
﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ
مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوَى﴾ [النازعات:
40- 41].
روى الإمامان البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي -
صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما ثلاثة نفر يتمشون أخذهم المطر، فأووا
إلى غار في جبل، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فانطبقت عليهم، فقال
بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها صالحة لله، فادعوا الله تعالى بها لعل
الله يفرجها عنكم، فقال أحدهم: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما
يحب الرجال النساء، وطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمئة دينار، فتعبت
حتى جمعت مئة دينار فجئتها بها، فلما وقعت بين رجليها، قالت: يا عبدالله،
اتق الله، ولا تفتح الخاتم إلا بحقه! فقمت عنها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك
ابتغاء وجهك، فافرج لنا منه فرجةً، ففرج لهم))
[6]الحديث.
وقد أمر الله المؤمنين الذين لم يستطيعوا النكاح
بالصبر والعفة، قال تعالى:
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى
يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور:
33].
ومن أسباب دفع فتنة النساء غض
البصر، وحفظ الفرج، والنكاح الحلال، قال تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ
يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور:
30].
روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى
الله عليه وسلم - قال: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة – أي النكاح
– فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج))
[7].
قال الشاعر:
كل الحوادث
مبداها من النظر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ومعظم النار من مستصغر الشرر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
والمرء ما دام ذا عين يقلبها [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
في أعين الغيد موقوف على الخطر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
فتك السهام بلا قوس ولا وتر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
يسر ناظره ما ضر خاطره [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
لا مرحباً بسرور عاد بالضرر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وقد جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجنة
ثواباً لمن حفظ فرجه، روى البخاري في صحيحه من حديث سهل بن سعد -
رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من يضمن لي ما بين
لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة))[8]. والحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.